مقال الاستاذ باسم صادق عن مسرحية “الدر المكنون” بجريدة الاهرام

مقال الاستاذ باسم صادق عن مسرحية “الدر المكنون” بجريدة الاهرام

فى معاجم اللغة العربية يشير «الدُر المكنون» إلى اللؤلؤ المستور أو المٌصان فى صدفته، وهو ما التقطه المخرج المخضرم ياسر صادق وصفا لسيرة ثلاثة من أروع وأقرب الصحابة إلى قلب نبينا الكريم سيدنا محمد [، وهم بلال الحبشي، و صهيب الرومي، وسلمان الفارسي، فيصيغ منها دراما مسرحية شعبية بالغة العذوبة من تأليف وأشعار سراج الدين عبدالقادر على «مسرح السامر» بالعجوزة.

كسر المخرج ياسر صادق كل التوقعات المسبقة للجمهور بكونها ليلة من المديح النبوى المناسبة لروحانيات الشهر الفضيل، وإن كانت حاضرة بقوة بين ثنايا العرض، ولكنه كأحد المهمومين القلائل بالمسرح، ويعى جيدا الفارق بين المنبر الخطابى الوعظي، ووظيفة مقتضيات الدراما الأكثر تأثيرا بعناصرها الفنية المتعددة، فقد استدعى من قلب التاريخ الإسلامي، قصص هؤلاء الصحابة الثلاثة، وما عاناه كل منهم فى سبيل البحث عن ملاذ آمن. والاستماتة على التمسك بدينهم وبقربهم من النبى [، حتى وإن كلفهم ذلك أرواحهم.

وانحاز بالطبع إلى روح السامر الشعبى دون مباشرة أو طنطنة وعظية، ففى أحد الأحياء الشعبية يتجمع أهلها البسطاء متعلقين حبا بالنبى [ وصحابته الكرام، ومتأملين معانى ودروس الأحاديث النبوية الصحيحة منها، مؤكدين على الحرص من وجود أحاديث منتحلة لا سند لها، وهى إشارة مهمة وذكية.

بين أولئك وهؤلاء، يعيش الجمهور حالة من الوجد الروحانى بين أغنيات المديح النبوى بأصوات طربية شجية ذابت فى ألحان أبدعها محمد عزت، وتنوعت بين صوت هبة سليمان القوى العذب، وكذلك صوت خالد محروس فى دور «الشيخ الأزهرى الكفيف» والذى أداه باحترافية، رغم أنه ليس مطربا. وحرص المخرج على استحضار طقوس ليالى «المولد الزينبى» من شموع وحِنة وخلافه، ضمن الاستعراضات الشعبية التى صممها عزت أبو سنة.

فى تلك الأجواء العامرة بذكر السيرة النبوية العطرة، والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد [، تنقل المخرج دخولا وخروجا بين قصص الصحابة الثلاثة، واختار بذكاء الثلاثة من بيئات وأقطار مختلفة، ليؤكد كيف استطاع النبى [ نشر الدعوة وتوحيد المسلمين من أقاصى البلاد. وقد طغى الصدق والبساطة على أداء الممثلين الثلاثة المجسدين لشخصيات الصحابة وتميزوا بإلقائهم المنضبط للغة عربية فصحى بسيطة المفردات وبعيدة عن التقعر والألغاز. وبتلقائية لعب جلال عثمان شخصية «بلال الحبشى مؤذن الرسول»، الذى تحمل كل صنوف التعذيب من سيده، تقربا إلى الله وإلى رسوله الكريم، حتى اشتراه أبو بكر الصديق وأعتقه. وكانت قصته وجملته الشهيرة «أحدٌ أحد» وعذوبة صوته سببا فى اختيار النبى له ليكون مؤذنه الأول.

الإضاءة والآداء الحركى من أبطال «الدر المكنون»

ورصد هانى كمال باحترافية حالة الألم النفسى الذى عاشه «صهيب بن سنان» بسبب سبى الروم له صغيرا عندما أغاروا على قومه فى العراق، فأقام فى ديارهم مرغما لسنوات طويلة شب فيها على الاشتياق لأهله ولدياره. ثم استطاع الهرب إلى مكة ومنها إلى يثرب، ليسلم بين يدى رسول الله، ونرى كيف أنفق كل ماله فى سبيل الله دون تردد، رغم أنه هرب بعد أن اشترى حريته بكل ما يملكه.

وفى قوة ورباطة جأش، جسد ياسر الزنكلونى شخصية «سلمان الفارسى»، الذى ترك أهله بحثا عن دين حقيقى بعد أن اكتشف أن اعتناقه المجوسية لا طائل منه، فكيف يعبد نارا تخفت، ويعيد هو إشعالها من جديد!.

ويرصد العرض كيف أتى سلمان إلى رسول الله ليتأكد من علامات النبوة الثلاثة التى قالها له أحد القساوسة فى طريق هربه. والمفاجأة أنه رآها بأم عينه وسبقه إليه النبى بذكرها لكى يطمئن قلبه، فكان أول من أسلم من الفرس.

عرض بديع حضرت فيه روح ونسمات سيدنا محمد [، فى كل لحظاته، وتطيبت ألسنتنا بذكره والصلاة عليه طوال الوقت، وحتى فى المشاهد التى يدخل فيها الصحابة الثلاثة على سيدنا محمد قدم المخرج حالة روحانية صافية تمثلت فى استخدام آلة «الكَوَلة» المحملة بدلالات الأنين والصبر على الأذى والصدق كمعادل موضوعى لصوت سيدنا محمد [.

بينما كانت الإضاءة التى صممها عز حلمى فى محلها حين تنقل بين الأضواء الساخنة فى مشاهد الاستعراضات الصوفية تارة ومشاهد التعذيب تارة أخرى، وفى استخدامه للضوء الأبيض الناصع فى مشاهد الصحابة داخل دار النبى[.

كما تنقل مصمم الديكور محمد هاشم بين مناظر أماكن الأحداث الدرامية بسلاسة لافتة، فمن الحارة الشعبية إلى مكة إلى ديار الروم بأعمدتها العملاقة الشهيرة إلى يثرب بتعبير لا لبس فيه، وهو ما انعكس إيجابا على سرعة تغيير المناظر ودقتها. وبالطبع جاءت أزياء رنا عبدالمجيد معبرة عن انتماءات الشخصيات ودلالاتها المكانية والتاريخية.

والحقيقة أن مثل هذا العرض يستحق أن يراه النشء، وأن تخصص له حفلات للمدارس لينهل أولادنا من نبع السيرة النبوية والتاريخ الإسلامى. وهى دعوة يحق توجيهها إلى تامر عبدالمنعم، رئيس الإدارة المركزية للشئون الفنية، ود. عمرو بسيونى بهيئة قصور الثقافة.

Please follow and like us:
Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
error

انبسسطت ؟ ادعمنا بـ ليك وشير بقى

RSS
YouTube
YouTube
fb-share-icon
Instagram
WhatsApp
FbMessenger