مقال نقدي عن عرض انتحار معلن
بقلم كرستينا عادل
كثيرًا ما نتعرض لضغوطات وتحديات وصعاب في الحياة، ومشاكل وخيمة نتخطاها بين الحين والآخر. وعلينا أن نستمر ونواجه ونواكب كل تلك المراحل حتى نستمر ونصنع للحياة معنى نعيش لأجله. لكن ما الذي يجعل شخصًا بعينه يلجأ للانتحار! وينهي مسيرته بعد سنوات من الإنجازات. وماذا لو كان من انتحر إمرأة جميلة لها تاريخ حافل من الأعمال الأدبية والزواج الناجح والشهرة المستمرة حتى الآن. ما الذي دفعها حتى تضحي بكل هذا! ذلك ما تم تناوله عرض المونودراما “#إنتحار_مُعلن” على خشبة الغد ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبي في دورتة 26،
العرض تأليف الناقد والكاتب السعودي د. #سامي_الجمعان، وهو من إخراج الفنان المصري #مازن_الغرباوى وبطولة الفنانة التونسية #منى_التلمودي، تصميم إضاءة #عز_حلمي، ديكور #رضا_صالح، تأليف موسيقى د. #طارق_مهران، تصميم ملابس د. #مروة_عودة، تدقيق لغوى #محمد_الخيام، دعاية #على_عبدالرحمن.
يعتمد العرض بشكل أساسي على سيرة حياة الكاتبة والروائية الإنجليزية الشهيرة #فرجينيا #وولف #Virginia_Woolf بكل ما عاشته في حياتها من مآس، تلك الحياة التي تتماس في بعض تفاصيلها مع سيرة حياة الأديبة العربية #مي_زيادة. وعن الكثير من النساء اللواتي واجهن فى حياتهن الكثير من الصعاب في ظل المجتمع الذكوري القائم، ولقد استطاع د. سامي الجمعان أن ينتزع أسم الشخصيه-سواء فرجينيا وولف أو مي زيادة- وحدد صفاتها وأحداث حياتها مدمجة بين تلك القصتين؛ بحيث أنها لا تعبر عن شخصها فقط بل تعبر عن كل امرأة تحاول أن تصنع اختلافا في المجتمع.
يبدأ العرض برسالة من البطلة إلى زوجها الحبيب، تودعه فيها قبيل انتحارها موضحة فيه الأسباب التي دفعتها لاتخاذ هذا القرار القاسي من محاولة شقيقها التحرش بها حيث أثر على موقفها من الذكورة وعلى أدبها ومنتجها، كذلك سلب الموت حياة أمها وأختها وأخيها ووالدها خلال فترة قصيرة وأثر صدمة ما بعد الموت عليها، ثم تعرضها للمرض الخطير ثنائي القطب الذي جعل رأسها يضج بالأصوات. وتم التعبير عن ذلك من خلال الفلاش باك حيث كانت كل الأحداث تدور في رأسها وتم سردها لنا من خلال كتابه رسالة الوداع وقد نجحت المادة الفيلمية المستخدمة في التعبير عن ذلك من خلال الرجوع بنا إلى الاماكن التي شهدت ما حدث للبطلة مثل النهر الذي ألقت بنفسها فيه منتحرة، و الشوارع الخالية يكسوها الظلام حين كانت شاردة في افكارها. وعبرت تلك المشاهد الكئيبة عن الحالة النفسية التي كانت تمر بها بجدارة. واللجوء إلى الداتا شو فكرة مناسبة مع موضوع العرض حيث قللت استخدام الديكور، فاستخدم المخرج مكتب وكرسي متحرك وساعة قديمة وشماعة لتغيير الملابس فقط.
أما عن التحولات النفسية؛ فكانت الخلفية مستديرة حين كانت تحكي البطلة عن مواقف لم يكن بها صدمات عالية ولكن حين تذكرت كل ما حدث لها مالت الخلفية وكأنها توحي لنا بعدم اتزان عقلها وما وصلت إليه من عدم اتزان نفسي وعقلي. وما ساعد في ترسيخ تلك الحالة المهيمنة على العرض إضاءة عز حلمي فتم دمج الإضاءة مع الشاشة فصنع بؤرة نور القمر من خلال كشاف أصفر منعكس على الشارع في الخلف مما لا يتنافى مع وجود الممثلة أو يؤثر سلبيًا على المادة الفيلمية. وكذلك نجح في خلق مستويات متعددة من الاضاءة من خلال التأرجح بين اللونين الأحمر والأزرق الذين أوحيا بحالة شعورية ملتبسة بالتوازي مع الصدمات التي مرت بها البطلة والتي كانت شديدة القسوة، فمن خلال الآداء التمثيلي التقمصي للممثلة التونسية منى التلمودي أوحت لنا شدة المعاناة التي مرت بها مرورًا بوصفها الدقيق لمحاولة اغتصاب اخيها لها ومرارة فقدان الأهل وحرمانها من قراءة الكتب التي تحبها وكذلك زوجها الذي تحبه لكنه لا يختلف عن باقي الرجال كثيرًا. كذلك بكائها مع نبرات صوتها وحركتها على الخشبة يمينًا ويسارًا جعلني أشعر بالدهشة تجاه ما أراه وكأنها حالة إنسانية حقيقة دون أى ابتذال وخاصة في المشهد الذي تتحاور فيه مع الموت وتعاتبه عن سلبه لأرواح أعز أحبابها وتتقمص هي كل دور تحكيه سواء أمها أو والدها أو الموت نفسه. من خلال قناع على وجهها وتغيير نبرات صوتها فتتغير في تلك اللحظة من شخص لآخر دون أن تشعر المشاهد بتشتيت أو تخرج عن سياق الدور الأساسي لها ولكن لولا توجيهات المخرج المصري مازن الغرباوي لم يكن المشهد بهذه الصورة.
لكن “الحلو دائمًا لا يكتمل” فالمقطوعات الموسيقية كانت تتماس مع الحالة النفسية السائدة في العرض لكن في بعض الأحيان كانت الموسيقى أعلى من صوت الممثلة فكان يسبب تشتيت، وكذلك كان يفضل قص وتركيب المقطع الصوتي بشكل متكامل بحيث لا نشعر بانخفاض الصوت تارة عن نهاية المقطع ومن ثم إرتفاعه مرة أخرى عند بدايته. كذلك إختيار خشبة المسرح لم يكن ملائم بالمرة للعرض. فقاعة مسرح الغد صغيرة للغاية لا تتسع للجمهور الموجود حينها؛ فكان هناك حالة من التدافع والعشوائية وعدم التنظيم، غير لائقه بإسم المهرجان الدولي للمسرح التجريبي!
لكن هذا لا يمنع أننا أمام حالة مسرحية فريدة. ونوع مسرح “المونودراما” صعب تقديمه لأنه يمثل حملاً كبيرًا على ممثل واحد، وموضوع مسرحي لم يتناول كثيرًا في المسرح عامة. فمن خلال تلك الرؤية المسرحية تم توضيح كم الضغوطات الغير مسبوقة على الإنسان بوجه عام وعلى المرأة التي يمارس عليها تنمر في ظل مجتمعنا الذكورى… ولكن الانتحار ليس حلً فاللدعم والمساندة أسمى بكثير من الهروب من الواقع وهذا ما كنت اتمنى أن أراه في العرض، فلو فرجينيا وولف ومي زيادة أودوا بحياتهم فهنالك الكثير من النساء المحاربات في العالم وصارعوا من أجل البقاء وإثبات ذواتهن.
جديرًا بالذكر أن العرض هو نتاج مشروع “الشراكة المسرحية العربية المُستدامة بين المسرحيين العرب”، ورسالته هي “التوجه إلى إنتاج عروض مسرحية عربية شرطها الرئيسي مشاركة مسرحيين من مختلف الدول العربية في العمل الواحد”، وتعد مسرحية “انتحار معلن”، التي تَشَكل فريقُها من ثلاثِ دولٍ عربية هي: جمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية، والجمهورية التونسية، هي النموذج التجريبي الأول لفكرة ATPA القائمة على الشراكة العربية في إنتاج عروض مسرحية.
#الناقدون_في_الأرض
#مهرجان_القاهرة_الدولي_للمسرح_المعاصر_والتجريبي
#مصر
#السعودية
#تونس
#مسرح_الغد